التصرّف المالي و المحاسبي

 

 للجماعات المحلية

 

 

المحور الأول : ميزانية الجماعة المحلية

الفصل الأول : تعريف ميزانية الجماعة المحلية

 

الفقرة الأولى: التعريف القانوني.

تعدّ الميزانية عموما وثيقة لتقدير مجموع مقابيض و مصاريف هيئة ما والترخيص فيها بالنسبة لفترة محددّة عادة ما تكون سنة.

و الملاحظ أن ميزانية الجماعة المحلية لم تبتعد عن هذا التعريف التقليدي حيث ينص الفصل الأول من القانون الأساسي لميزانية الجماعات المحلية عدد35 لسنة 1975 المؤرخ في 14 ماي 1975 كما تم تنقيحه و إتمامه خاصة بموجب القانون الأساسي عدد 65 لسنة 2007 المؤرخ في 18 ديسمبر 2007 على ما يلي « تنص ميزانية الجماعات المحلية بالنسبة لكل سنة على جملة نفقات هذه الجماعات ومواردها و تأذن بها ».

الفقرة الثانية: التعريف الفنّي.

تقدّم الميزانية من الناحية الفنية على أنها " برنامجا مفصلا و منسقا و مرقما ينصهر في المدى القصير (السنة عموما) بالارتكاز على إمكانيات الشخص المعني و التي و قع تحديدها مسبقا قصد تحقيق الأهداف المرسومة من قبله"[1]

 وتعتبر على هذا الأساس ميزانية الجماعة المحلية البرنامج المرجعي السنوي في مجال التصرف المالي حيث أنها تمثل الوثيقة الرئيسية التي تؤطر التصرّف المالي المحلي وتنظمه .

الفقرة الثالثة : مبادئ ميزانية الجماعة المحلية.

  تقوم ميزانية الجماعة المحلية على خمسة مبادئ :

1)  مبدأ سنوية الميزانية: "تتعلق الميزانية بسنة مالية واحدة "

يستشف هذا المبدأ من الفصل الثاني من القانون الأساسي لميزانية الجماعات المحلية المذكور أعلاه حيث جاء فيه «  تبدأ السنة المالية في أول جانفي و تنتهي في 31 ديسمبر من نفس السنة مع مراعاة الأحكام الخاصة الواردة بالفصل الثالث من مجلة المحاسبة العمومية».

و المقصود بهذا المبدأ هو أن تنفيذ الميزانية يتم على امتداد اثنا عشر شهرا، حيث تنحصر خلالها كافة العمليات المتعلقة بالقبض و الصرف، و هو ما يعرف بنظام التصرّف الذي أرساه الفصل الثالث من مجلة المحاسبة العمومية الذي يفيد بأن تنفيذ العمليات المالية للدولة والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية و الهيئات الشبيهة بها يقع في نطاق نظام يرتكز على الدفع ولا يشمل حينئذ حساب الميزانية لسنة مالية ما إلا الإيرادات التي تم تحصيلها والمصاريف التي وقع الأمر بصرفها فعلا خلال تلك السنة .

ويختلف نظام التصرّف على نظام السنة المالية الذي تربط في ظلّه جميع العمليات بالميزانية المعنية بقطع النظر عن تاريخ القيام بها.

و لا شك أن بقية المراحل التي تمر بها الميزانية من إعداد و اقتراع ومصادقة وغلق تتأثر بمبدأ السنوية كذلك حيث أنها تتكرر وجوبا كل سنة.

أما الهدف من إرساء هذا المبدأ فهو من ناحية وضع ميزانية تتسم أكثر ما يمكن بالواقية و صدق التوقعات خاصة بالنسبة لتحقيق الموارد و من ناحية أخرى ضمان المراقبة المستمرة للمجلس على مالية الجماعة.

إلا أن نفس الفصل المذكور من قانون الميزانية حد بعض الشيئ من صرامة مبدأ السّنوية و ذلك في ما يتعلق بتأدية النفقات حيث أحالنا على الفصل الثالث من مجلة المحاسبة العمومية الذي أقر بما يعرف بـ"الفترة التكميلية" حيث جاء بالفقرة الثالثة منه "يجوز إصدار الأوامر بصرف النفقات الراجعة لسنة ما إلى اليوم العشرين من شهر جانفي من السنة الموالية وتدرج الأوامر الصادرة أثناء المدة الإضافية بحساب ميزانية تلك السّنة"

و لا تعد الفترة التكميلية الاستثناء الوحيد لمبدأ السنوية بل إن إقرار الفصل العاشر من قانون الميزانية طريقة العمل باعتمادات البرامج و التعهد بالنسبة لنفقات العنوان الثاني يعد استثناءا كذلك لمبدأ السنوية[2]  ذلك أن هذه الإعتمادات لا تلغى بإنتهاء السنة المالية المعنية بل إنها تبقى صالحة و تنقل من سنة إلى أخرى حتى يصدر ما يخالف ذلك .

 

2)  مبدأ وحدة الميزانية :

تدون جملة الموارد والنفقات بوثيقة واحدة مما يجنب الغموض والمقاصة ويسهل المراقبة، يستنتج هذا المبدأ من الفصل الأول من القانون الأساسي لميزانية الجماعات المحلية الذي اكد نصه على ان تشمل ميزانية الجماعات المحلية جملة نفقاتها وجملة مواردها. بمعنى وجوب تضمن ميزانية كل جماعة محلية جميع الموارد و النفقات دون استثناء، و هو ما من شأنه إتاحة الفرصة لمجلس الجماعة الإطلاع على مجمل نشاطها و تقييم وضعها المالي.

3)  مبدأ توازن الميزانية:

يمثل توازن الميزانية السنوية في ظاهره تعادل نفقات الجماعة المحلية مع مواردها، إلا أن التوازن الحقيقي لميزانية كل جماعة محلية يتمثل في تحقيق المعادلة بين إمكانياتها الحقيقية وما أنيط بعهدتها من تسيير امثل لمرافقها العمومية ومن تنمية للطاقات الاقتصادية والاجتماعية المتواجدة بمنطقتها.

تم تكريس هذا المبدأ من خلال الفصل عشرين من القانون الأساسي لميزانية الجماعات على انه « يجب عرض تقديرات المقابيص والمصاريف بصورة متوازنة مع مراعاة تعهدات السنة الماضية كما يقع الإقتراع على هذه التقديرات على نفس الأساس ».

 

4)  مبدأ شمولية الميزانية:

يعني هذا المبدأ أن الموارد المتاحة تستعمل لتسديد كافة النفقات دون تخصيص و لا مقاصة.

يقصد بعدم التخصيص عدم جعل مبالغ مورد ما أو دخل معين لتسديد نفقة معينة، فلا يجوز على سبيل المثال تخصيص مقابيض المعلوم على العقارات المبنية لخلاص أجور أعوان إدارة الشؤون الإدارية و المالية.

و يقصد بعدم المقاصة تنزيل الموارد برمتها في الحسابات دون مقاصة بالنفقات، وفي هذا إضفاء للشفافية على ميزانية الجماعة إذ باللجوء إلى المقاصة يمكن للجماعة ألا تبرز في ميزانيتها إلا ما تبقى من الموارد والمصاريف التي لا يمكن المقاصة بينها مما يؤدي إلى ميزانية منقوصة من كل الموارد والمصاريف التي وقعت المقاصة بينها أي إلى ميزانية لا تظبط الحجم الحقيقي لمالية الجماعة بل جزءا بسيط منها.

 

5)  مبدأ تخصص الميزانية أو اختصاص الإعتمادات:

ضرورة احترام تبويب الميزانية دخلا وصرفا عند الإعداد و الاقتراع و المصادقة وخاصة عند التنفيذ، حيث يفرض على المتدخلين الأساسيين خاصة آمر الصرف، التقييد بطبيعة الإعتمادات المأذون فيها بالميزانية ومبالغها القصوى بحيث لا يمكن تعدي المبلغ المرصود لكل اعتماد و لا تغيير وجهته إلى نفقة تكون طبيعتها دون تلك التي وقع الإذن فيها صلب نفس الاعتماد.

 

أعلى الصفحة

 

الفصل الثاني : إعداد الميزانية  و الاقتراع و المصادقة عليها

 

 



[1]  راجع ، دليل الدورة التكوينية حول"إحكام إعداد الميزانية"  - مركز التكوين و دعم اللامركزية  بوزارة الداخلية والتنمية المحلية ص 2.

 

[2] لا يمثل هذا في نظر السيد صالح بوسطعة استثناءا لمبدأ "السنوية" بل تلطيفا له : النصوص التشريعية والترتيبية المتعلقة بالمالية المحلية – سلسلة المجلات القانونية المثراة ، الجماعات المحلية العدد الثاني- منشورات المطبعة الرّسمية للجمهورية التونسية 1998 ص 50.